جودة الحياة في زمن المشاهير- قيم مقلوبة وسلالم نحو البذخ.
المؤلف: عبده خال08.27.2025

إن هذا المقال بمثابة استعادة جادة للمفاهيم المنعكسة، وكأن تشكيل السلم بصورة معكوسة يشكل المدخل الأساسي لمرحلة ما بعد الماهية، وعلى الرغم من أن مفهوم "ما بعد الحداثة" يمثل التيار الفكري الذي هيمن في النصف الثاني من القرن العشرين، والذي تميز بالتشكيك العميق في مسلمات الحداثة، فإنه يسعى جاهداً لتفكيك المفاهيم والمصطلحات التقليدية بغية تحقيق فهم أعمق لبُنى الحياة المتشابكة. واليوم، ومع انحسار المدارس الفلسفية التقليدية أمام فلسفة الاستهلاك الطاغية، تلك الفلسفة التي لا تعنى بالفكر العميق بقدر ما تهتم باجترار كل ما يطرح في الأسواق، نعود إلى فكرة إهمال العمل المنتج والانجراف نحو الحالة الاستعراضية الاستهلاكية. فمصطلح "جودة الحياة" يبدو كعنوان جذاب ومشتهى، والكل يسعى لتحقيقه. ولكن ما هي المسالك المتاحة، سواء القصيرة أو الطويلة، التي يمكن للفرد أن يسلكها؟ خاصة وأن المسارات المعهودة قد تبدلت وتغيرت جذرياً. فمنذ القدم، كان العمل يمثل السبيل الأمثل لإحداث التطور والارتقاء من حال إلى حال.
إن طبيعة العصر الراهن، بما تحمله من تحولات متسارعة، تفرض أنواعاً جديدة من الأعمال التي تضمن مردوداً جيداً في تنمية الفرد والمجتمع على حد سواء. ورغم وطأة المتغيرات وضغوطها، فإن تصنيف الأعمال المدرة للمال يبقى رهناً بتميز الفرد في مجال العلم والخبرة. وتحقيق هذين العنصرين يتطلب وقتاً وجهداً متواصلاً. أما التخلي عن هذين الأساسين، فإنه يعيق إحداث أي قفزة مالية حقيقية للفرد. وإذا تحقق الثراء بغياب العلم والخبرة، فإنه غالباً ما يكون مصحوباً بانهيار قيمي وخيم العواقب.
قد تتحقق طفرة مالية مؤقتة للفرد نتيجة لصدمة اجتماعية أو اقتصادية مفاجئة، إلا أن استمرار الاعتماد على هذا السبب يلغي أي منطق أو اتزان. ويؤكد أن هناك خللاً جوهرياً يجب إصلاحه، وإلا تحول هذا الخلل إلى قاعدة عامة تدفع الجميع إلى انتهاج مسارات غير سوية.
لعلي أدرك أن حديثي قد يبدو غامضاً بعض الشيء لغياب الأمثلة التوضيحية. حسناً، لطالما عهدنا أن نعزو الثراء الفاحش المفاجئ إلى أسباب مشبوهة. فكثيراً ما نفترض أن هذا الشخص قد ورث ثروة طائلة. ولكن عندما ندرك أن وضعه العائلي لا يتجاوز حد الكفاف، نستبعد فكرة الإرث، ونتجه مباشرة إلى الظن بأنه سلك دروب الفساد الملتوية التي أوصلته إلى ذلك الثراء الفاحش. ونطمئن أنفسنا بأن ثراءه جاء بطرق غير شريفة. وكلما تحدثت عن الأمانة، أو عن أهمية تخصيص الوقت للعمل الجاد، أو عن قيمة العلم، أو عن الاجتهاد في العمل، يتم إسكاتك بأمثلة حية تهدم كل القناعات التي سعيت جاهداً لترسيخها في نفسك. فإذا أردت غرس تلك القيم النبيلة عن العمل الذي يقود إلى جودة الحياة، تصدمك أمثلة واقعية مؤلمة: شاب طائش لا قيمة له يلهو بالملايين، ليس بفضل إرث أو علم أو عمل، وإنما لأنه ظهر في زمن السوشيال ميديا المتغير، وتم تصنيفه ضمن قائمة المشاهير. وبات ذلك الشاب نموذجاً للوصول السريع إلى جودة الحياة الزائفة.
هؤلاء المشاهير قد حطموا قواعد العمل الجاد، والعلم، والاجتهاد، والمثابرة، والتطلع إلى الأفضل، وعشرات القيم الأخرى التي لم تعد بذرة صالحة لكي يزرعها الآباء في عقول أبنائهم. والكارثة الكبرى أن طريق "المشاعر" السطحية قد استقطب الجميع. امرأة تافهة حصلت على لقب "مشهورة"، وشابة يانعة تتملك الفلل الفاخرة والسيارات الباهظة والأرصدة الضخمة لمجرد أنها استخفت بكل شيء. فكانت مكافأتها كل ذلك البذخ والترف.
إن الأمر لا يتعلق بأي شكل من أشكال النصح والإرشاد، ولا بأي نوع من مشاعر الحقد والحسد. المسألة هي أن منظومة القيم في حالة انهيار كامل، وأن التقييم لما يحدث أصبح غير متوازن لدى الشباب الباحثين عن جودة الحياة من خلال العلم والعمل والمثابرة والصبر. وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن قيم العمل لم تعد مجدية في زمن هؤلاء المشاهير. لقد قرأت مؤخراً خبراً مفاده أن السلطات الصينية قد أغلقت حسابات المؤثرين والمشاهير على شبكات التواصل الاجتماعي الذين يروجون للرفاهية الزائفة والبذخ المفرط ويتباهون بأنماط حياتهم الفارهة على مواقع التواصل المختلفة.
ولكن هل المطالبة بإغلاق مواقع المتباهين بالبذخ قد تحقق أي جدوى حقيقية؟
لا أعتقد ذلك. فثمة واقع مرير لا يتيح أي فرصة حقيقية لتقدير قيمة العلم أو العمل الجاد. أما إذا تم إلغاء قيم العمل والجد والاجتهاد، فإننا نكون قد دخلنا حقاً في زمن "السلم المقلوب" الذي تمكن من الاستيلاء على صالة عرض الفنون التشكيلية، وغدت القاعدة السائدة: من أراد تحقيق جودة الحياة، فعليه أن يسلك دروب "السلم المقلوب" المتعرجة والملتوية.
إن طبيعة العصر الراهن، بما تحمله من تحولات متسارعة، تفرض أنواعاً جديدة من الأعمال التي تضمن مردوداً جيداً في تنمية الفرد والمجتمع على حد سواء. ورغم وطأة المتغيرات وضغوطها، فإن تصنيف الأعمال المدرة للمال يبقى رهناً بتميز الفرد في مجال العلم والخبرة. وتحقيق هذين العنصرين يتطلب وقتاً وجهداً متواصلاً. أما التخلي عن هذين الأساسين، فإنه يعيق إحداث أي قفزة مالية حقيقية للفرد. وإذا تحقق الثراء بغياب العلم والخبرة، فإنه غالباً ما يكون مصحوباً بانهيار قيمي وخيم العواقب.
قد تتحقق طفرة مالية مؤقتة للفرد نتيجة لصدمة اجتماعية أو اقتصادية مفاجئة، إلا أن استمرار الاعتماد على هذا السبب يلغي أي منطق أو اتزان. ويؤكد أن هناك خللاً جوهرياً يجب إصلاحه، وإلا تحول هذا الخلل إلى قاعدة عامة تدفع الجميع إلى انتهاج مسارات غير سوية.
لعلي أدرك أن حديثي قد يبدو غامضاً بعض الشيء لغياب الأمثلة التوضيحية. حسناً، لطالما عهدنا أن نعزو الثراء الفاحش المفاجئ إلى أسباب مشبوهة. فكثيراً ما نفترض أن هذا الشخص قد ورث ثروة طائلة. ولكن عندما ندرك أن وضعه العائلي لا يتجاوز حد الكفاف، نستبعد فكرة الإرث، ونتجه مباشرة إلى الظن بأنه سلك دروب الفساد الملتوية التي أوصلته إلى ذلك الثراء الفاحش. ونطمئن أنفسنا بأن ثراءه جاء بطرق غير شريفة. وكلما تحدثت عن الأمانة، أو عن أهمية تخصيص الوقت للعمل الجاد، أو عن قيمة العلم، أو عن الاجتهاد في العمل، يتم إسكاتك بأمثلة حية تهدم كل القناعات التي سعيت جاهداً لترسيخها في نفسك. فإذا أردت غرس تلك القيم النبيلة عن العمل الذي يقود إلى جودة الحياة، تصدمك أمثلة واقعية مؤلمة: شاب طائش لا قيمة له يلهو بالملايين، ليس بفضل إرث أو علم أو عمل، وإنما لأنه ظهر في زمن السوشيال ميديا المتغير، وتم تصنيفه ضمن قائمة المشاهير. وبات ذلك الشاب نموذجاً للوصول السريع إلى جودة الحياة الزائفة.
هؤلاء المشاهير قد حطموا قواعد العمل الجاد، والعلم، والاجتهاد، والمثابرة، والتطلع إلى الأفضل، وعشرات القيم الأخرى التي لم تعد بذرة صالحة لكي يزرعها الآباء في عقول أبنائهم. والكارثة الكبرى أن طريق "المشاعر" السطحية قد استقطب الجميع. امرأة تافهة حصلت على لقب "مشهورة"، وشابة يانعة تتملك الفلل الفاخرة والسيارات الباهظة والأرصدة الضخمة لمجرد أنها استخفت بكل شيء. فكانت مكافأتها كل ذلك البذخ والترف.
إن الأمر لا يتعلق بأي شكل من أشكال النصح والإرشاد، ولا بأي نوع من مشاعر الحقد والحسد. المسألة هي أن منظومة القيم في حالة انهيار كامل، وأن التقييم لما يحدث أصبح غير متوازن لدى الشباب الباحثين عن جودة الحياة من خلال العلم والعمل والمثابرة والصبر. وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن قيم العمل لم تعد مجدية في زمن هؤلاء المشاهير. لقد قرأت مؤخراً خبراً مفاده أن السلطات الصينية قد أغلقت حسابات المؤثرين والمشاهير على شبكات التواصل الاجتماعي الذين يروجون للرفاهية الزائفة والبذخ المفرط ويتباهون بأنماط حياتهم الفارهة على مواقع التواصل المختلفة.
ولكن هل المطالبة بإغلاق مواقع المتباهين بالبذخ قد تحقق أي جدوى حقيقية؟
لا أعتقد ذلك. فثمة واقع مرير لا يتيح أي فرصة حقيقية لتقدير قيمة العلم أو العمل الجاد. أما إذا تم إلغاء قيم العمل والجد والاجتهاد، فإننا نكون قد دخلنا حقاً في زمن "السلم المقلوب" الذي تمكن من الاستيلاء على صالة عرض الفنون التشكيلية، وغدت القاعدة السائدة: من أراد تحقيق جودة الحياة، فعليه أن يسلك دروب "السلم المقلوب" المتعرجة والملتوية.